تراجع التطبيع يعزز فرصة بن سلمان لتثبت مكانة بلاده في الشرق الأوسط
[ad_1]
معاريف 14/2/2025، د. عنات هوخبرغ: تراجع التطبيع يعزز فرصة بن سلمان لتثبت مكانة بلاده في الشرق الأوسط
تصريحات الرئيس دونالد ترامب يوم الجمعة الماضي حول “سيطرة” الولايات المتحدة على قطاع غزة تواصل إثارة عاصفة في ارجاء الولايات المتحدة الى جانب الغضب والدهشة في العالم العربي والإسلامي. الى جانب وعده بان “تصبح غزة ريفييرا الشرق الأوسط” وتلميحاته بان مصر والأردن – رغم معارضتهما القاطعة – ستوافقان على استيعاب لاجئين فلسطينيين من غزة، بل ادعى باستفزاز بان الرياض لا تطالب بإقامة دولة فلسطينية في إطار التطبيع مع إسرائيل.
على هذه الخلفية وبعد أن ردت وزارة الخارجية السعودية ادعاءات الرئيس الأمريكي ردا باتا سارعت لنشر بيان مضاد شدد على موقف المملكة القاطع وغير المساوم في هذه المسألة. فليس فقط “تحقيق سلام عادل ودائم ليس ممكنا دون أن يحقق الشعب الفلسطيني حقوقه الشرعية”، كما تدعي الرياض، بل ان ولي العهد محمد بن سلمان عاد واعلن بان الموضوع ليس قابلا للمفاوضات. من ناحيته، السعودية “ستواصل جهودها” غير المنقطعة لاقامة دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس ولن توافق على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بدونها”. كل هذا فيما هو يفضل مسار دبلوماسي على صراع عسكري ويسعى الى تنفيذ التطبيع مع إسرائيل الى جانب حلف دفاع منفرد مع الولايات المتحدة مما يساعد على رفع مكانة الرياض الإقليمية والعالمية.
هذا إضافة الى أنه على خلفية تأييد نحو 72 في المئة من الجمهور في إسرائيل وحكومة نتنياهو لـ “خطة الترحيل” لترامب، فان الاقتراح الاستفزازي لرئيس الوزراء والذي نشر هذا الأسبوع في القناة 14 لنقل السكان من غزة الى السعودية و “إقامة دولة فلسطينية على أراضيها الواسعة” – ضج قادة المملكة السعودية. الى جانبهم ندد زعماء مصر، الأردن، اتحاد الامارات، العراق، قطر والكويت بشكل علني بموقف إسرائيل. فابعاد/اقتلاع بالقوة لنحو 2 مليون فلسطيني من غزة يشكل، بنظرهم، خطوة غير أخلاقية وخرق فظ للقانون الدولي. فهذه خطوة هدامة تثير الكثير من الاضطراب في ظل تقويض الوضع الراهن والاستقرار الإقليمي وتعد تهديدا امنيا وجوديا بل و”سبب للحرب” أساسا في نظر القاهرة وعمان. تدعي الرياض أيضا بان التصريحات في وسائل الاعلام “تصرف الانتباه عن الجرائم المتواصلة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الاخوة الفلسطينيين في غزة بما في ذلك التطهير العرقي”.
كل هذا، إضافة الى أن السياسة الإقليمية الجديدة التي تمليها الإدارة الامريكية وإسرائيل تتبناها تفرض عليهم بالقوة وبغير حق اتفاق سلام لا يتوافق ومصالحهم. ليس صدفة ان على هذه الخلفية أعلنت مصر انها ستستضيف قمة طواريء في 27 ضباط تبحث “في التطورات الجديدة الخطيرة”. فضلا عن التوتر الشديد الذي نشأ في المنطقة، لأول مرة منذ نشوب الحرب في 7 أكتوبر نشأت جبهة للدول العربية بقيادة الرياض ترفض خطة ترامب وتتصدى بحكم الامر الواقع للحاجة لعرض خطة عملية بديلة لاسكان الفلسطينيين واعمار قطاع غزة في “اليوم التالي”. في اطار ذلك يخيل أن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، حاليا على الأقل، ليست في سلم أولويات الرياض.
معارضة للاعتراف بإسرائيل
تمعن عن كثب يظهر أن نحو 74 في المئة من الجمهور الإسرائيلي يعارض مسيرة التطبيع إياها التي تتضمن إقامة دولة فلسطينية، ونحو 50 في المئة يفضلون ان تحكم إسرائيل قطاع غزة، مثلما يتضح من استطلاع اجراه معهد PEW في شهر أيار 2024.
في الرؤية السعودية، العلاقات مع إسرائيل كانت منذ الازل موضوعا مشحونا وحساسا للغاية. فليس فقط “مبادرة السلام” السعودية في 2002 تعد كفعل رمزي فقط استهدف في حينه إرضاء الولايات المتحدة فان المملكة السعودية – باستثناء الحساسية الكبيرة في مسألة السيطرة في الأقصى – تمتنع حتى الان عن التدخل في صراع إسرائيل ضد حماس وبعامة بالنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. استطلاع للرأي العام أجراه معهد “WINEP” في كانون الأول 2023 يظهر ان اغلبية مطلقة من 96 في المئة من الجمهور السعودي عارض العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي. كما أن 68 في المئة عارضوا اعترافا سعوديا بها – مستوى المعارضة الأعلى للتطبيع الذي يسجل منذ 2016 – مثلما يتضح من استطلاع لمعهد الدوحة الذي نشر في كانون الثاني 2024.
تظهر نظرة استراتيجية واسعة بانه فضلا عن كون السعودية منتجة النفط الثانية لحجمها في العالم (المسؤولة عن 12.9 في المئة من الإنتاج العالمي) والاقتصاد الأقوى والاكبر في الشرق الأوسط (ناتج محلي خام بمقدار 1.083 تريليون دولار في 2024)، تتمتع السعودية اليوم، ضمن أمور أخرى باستئناف علاقاتها مع ايران وقطر وكذا من علاقاتها الدافئة مع تركيا. ففي اطار اتفاق بقيمة 6 مليار دولار، من المتوقع للرياض ان تشتري سفنا حربية، دبابات وصواريخ من أنقرة .
كما يتبين ان ابن سلمان الذي يتمتع بشعبية واسعة في الداخل، يعد في السنوات الثلاثة الأخيرة الزعيم الكاريزماتي والمحبوب الأكبر في العالم العربي، الذي يغازله كثيرون من زعماء العالم مثل (رؤساء الولايات المتحدة، روسيا والصين الى جانب رؤساء شركات تكنولوجية واتحادات تكنولوجيا عليا عالمية). وهكذا مع أنه لا يهتم شخصيا بالفلسطينيين فانه على وعي جيد بالتأييد الواسع الذي يحظون به من جانب الجمهور السعودي، العربي والإسلامي. وان التضحية بهم في صالح تطبيع مع إسرائيل تشكل انتحارا سياسيا ومخاطرة كبيرة على استقرار المملكة. مع ذلك، ومع أن الوعد بعقد اتفاق سلام سعودي – إسرائيلي ينطوي على غير قليل من الفرص الاستراتيجية، ظاهرا يبدو ان الان بالذات – بخاصة في ضوء ضعف ايران، المحور الشيعي ونفوذهما في الشرق الأوسط – يدور الحديث عن فرصة لابن سلمان لابداء مرونة وزعامة واتخاذ موقف براغماتي وفاعل أي، المناورة بين عموم اللاعبين والمواقف المتضاربة، استغلال التعاطف الفلسطيني وقيادة خطوات دولية تساهم في تثبيت مكانة الصدارة للرياض في الشرق الأوسط الى جانب صورتها القوية.
خليط بين “مبادرة السلام العربية” ومكانتها الثابتة وبين عموم التغييرات التي تجري مؤخرا في المنطقة، بما في ذلك التردي الذي طرأ على مكانة الولايات المتحدة الجغرافية – السياسية يقوي موقف القيادة السعودية في وجه الضغط الأمريكي. كل هذا يسمح لابن سلمان بان يتصدر حوارا بناءاً وجبهة جماعية كما اسلفنا تحمي مصالح السعودية، مصالح الدول العربية، بما فيها مصر والاردن وكذا مصالح الفلسطينيين.
استغلال المال الجغرافي السياسي
فضلا عن ذلك، يحتمل ان بالذات على خلفية تعقيد وتفجر الازمة الإقليمية الناشئة، فان علاقاته القريبة مع ترامب وحاجة واشنطن للتعاون مع الرياض، يمكن لولي العهد أن يؤدي دورا هاما في تصميم الشرق الأوسط. فوعده بان يستثمر في الولايات المتحدة 600 مليار دولار في السنوات الأربعة القادمة (ضمن أمور أخرى في شراء منظمات سلاح ودفاع أمريكية)، الذي اجاء في اعقاب اعلان ترامب عن السعودية كهدف مركزي في سياسته الاقتصادية والدبلوماسية، من شأنه ان يؤدي الى إيجاد حل ابداعي والدفع قدما بمنحى سياسي براغماتي للمسألة الفلسطينية.
كما انه على خلفية مكانة السعودية في العالم الإسلامي وكونها الحليف الاستراتيجي الأهم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فانها أيضا الدولة الوحيدة التي توجد اليوم في موقف أساسي استراتيجي سائد وقوي في السياسة العالمية وكذا في الاقتصاد وفي سوق الطاقة العالمي – يمكنها ان تجري مفاوضات “بمستوى العيون” مع ترامب تؤدي الى صد خطة الترحيل.
هذه العلاقات، المواقف والخطوات من المتوقع لها أن تساعد الاثنين على الدفع قدما بتفاهمات مشتركة واتفاقات امنية، اقتصادية وتكنولوجلية مختلفة (مثلا في مجال حماية السايبر، الحداثة او الطاقة الخضراء)، حتى بدون مسيرة تطبيع رسمية مع إسرائيل.
مهما يكن من أمر فان تحقق الرؤيا العالمية لابن سلمان (Vision 2030) وإقامة مشاريع اقتصادية عظمى (مثل مدينة نيوم) ليس متعلقا بذلك. فتقليص تعلق السعودية بمداخيلها من النفط (تحوز احتياطات النفط الأكبر في العالم وتنتج نحو 3 مليون برميل يوميا وجذب استثمارات اجنبية وكذا عشرات ملايين السياح كل سنة بمناسبات ثقافية ورياضية دولية (مثل اكسبو 2030 ومونديال 2034) – متعلقة بقدر كبير بالاستقرار الإقليمي وكذا بعلاقاتها مع الولايات المتحدة. لا شك إذن ان استغلال المال الجغرافي – السياسي، الاقتصادي والطاقي السعودية كفيل بان يساهم كثيرا في خلق واقع شرق اوسطي جديد الى جانب شروط وملابسات جغرافية – سياسية لم نشهدها من قبل. شروط وملابسات كفيلة بان تؤدي في المستقبل الى انضاج مسيرة التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-02-14 17:40:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
[ad_2]
إرسال التعليق